Please ensure Javascript is enabled for purposes of website accessibility
en

أجساد النساء في مرمى النزاع: العنف الجنسي الممنهج في السودان ومعاناة الناجيات

calendar_month التاريخ:01/01/1970

 

observatory-website-posts-shared-20250202-114440-٠٠٠٠-png

 

أجساد النساء في مرمى النزاع: العنف الجنسي الممنهج في السودان ومعاناة الناجيات

 

تحذير: يحتوي هذا التقرير على تفاصيل حساسة ومؤلمة تتعلق بالعنف الجنسي والصدمات النفسية. نوصي بضرورة توخي الحذر أثناء القراءة.

 

في فبراير من عام 2024 كشف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن "تعرُّض ما لا يقل عن 118 شخصاً للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي ومحاولة الاغتصاب، من بينهم 19 طفلاً في السودان ".


وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة  فولكر تورك : "منذ ما يقرب من عام، كانت التقارير الواردة من السودان تتحدث عن الموت والمعاناة واليأس، مع استمرار الصراع غير المبرر وانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات دون نهاية في الأفق".


لم تكن هذه الإحصائية الصادمة سوى مقدمة لإحصائيات أخرى متصاعدة كشفت حالات اغتصاب ممنهجة تكررت خلال عام 2024  ووثقتها منظمات ومبادرات سودانية، حيث وثقت مبادرة "معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي في السودان" في الفترة بين 29 فبراير 2024  و 30 يوليو 2024  ما يقارب من  179 حالة اغتصاب في مدن ومناطق "الخرطوم - والجزيرة - والنيل الأبيض - وشمال دارفور - والفاشر"

وفي أكتوبر من نفس العام حين  شنت  قوات الدعم السريع هجوما كبيرا في أنحاء شرق الجزيرة بين يومي 20 و 25  كان الحديث عن الاغتصاب الممنهج  حاضرا أيضا، مع غياب إحصائيات يمكن الاعتماد عليها لتقديم عدد تقديري دقيق.


وقالت منسقة الأمم المتحدة في السودان في حديثها عما حدث في منطقة الجزيرة: "قوات الدعم السريع أطلقت النار على المدنيين بشكل عشوائي وارتكبت أعمال عنف جنسي ضد النساء والفتيات"


شبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" ووفقًا للتقارير التي جمعتها في أكتوبر من عام 2024 من قرية السريحة، أكدت أن النساء والفتيات قد تعرّضن للتعذيب والاغتصاب الجماعي مما أدى إلى إقدام العديد منهن على الانتحار، ووفقا للشبكة نفسها في مناطق أخرى صرّحت النساء عند علمهنّ باحتمالية اجتياح الدعم السريع لمناطقهنّ وبنيتهنّ للإقدام  على الانتحار لتحاشي الانتهاكات.


كما ووثقت شبكة صيحة أيضا ما يقرب من 298 حالة عنف جنسي ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء البلاد من أبريل 2023 وحتى نوفمبر 2024. وتعزى معظم هذه الحالات إلى قوات الدعم السريع.

 

شهادات من الجحيم: أصوات المُغتَصَبات

 

شهادة وثقتها هيومن رايتس ووتش:


تحدثت  طالبة اقتصاد (28 عاما) عن  ثمانية رجال مسلحين، بينهم اثنان يرتديان زي قوات الدعم السريع وستة في ملابس مدنية، دخلوا منزل أسرتها في حي التضامن بالجنينة في 8 يونيو/حزيران، حوالي الساعة 4 مساء، يدّعون  بأنهم جاءوا  ليبحثوا عن رجال وأسلحة. كان هناك حوالي 20 شخصا من الأقارب والجيران يحتمون في المنزل في ذلك الوقت، فضرب المهاجمون ستة من رجال المنزل بالعصي والأنابيب البلاستيكية، وطالب أحد المهاجمين الجميع بتسليم هواتفهم الخلوية، فأخبرهم من في المنزل بأن لا هواتف لديهم ، لكن أحد المهاجمين عثر على هاتف صاحبة الشهادة  في غرفة نومها، وأمرها بالحضور إلى الغرفة لتريه المكان الذي كانت تخفي فيه هاتفا آخرا.


قالت في شهادتها: "فتش ثدييّ وفي الأسفل هناك، لكن لم يكن لدي هاتف آخر. قال: عليك أن تضحي بنفسك وإلا سنطلق النار على إخوتك، فقلت: لا، اقتلوني ودعوا إخوتي وعائلتي يعيشون، أطلقوا سراحهم. قلتُ إنني سأضحي بحياتي، لكنه قال: "نحن لا نقتل النساء"، ثم قال أنه عليّ أن أستلقي".


صرخت صاحبة الشهادة  لجذب انتباه أمها وعندما جاءت أمها راكضة أطلق أحد الرجال النار على الأم وأصابها في ساقها، وأخطأت طلقة أخرى بصعوبة عمة المرأة التي كانت تحاول أيضا حمايتها. قالت صاحبة الشهادة: "كانت الرصاصة مدوية جدا. شعرت بأنه لا أمل لدي. كانوا سيقتلونهم أمامي. صوّب البندقية إلى رأسي واغتصبني".

 

شهادة وثقتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان:


لجأت آمنة صالح البالغة من العمر 18 عاماً إلى منزلها لتجنب مخاطر الصراع وذات يوم، كان هناك طرق على الباب.

"لقد أصابني الذعر ولكنني فتحت الباب وأنا مرتجفة وكان هناك بعض الجنود. دخلوا وعندما أدركوا أنني وحدي، بدأوا في اغتصابي، واحدًا تلو الآخر بمسدس موجه إليّ"

قالت آمنة وهي تبكي. "لقد مكثوا في منزلي لمدة أربعة أيام وفعلوا ذلك كل يوم".

وعندما غادر الجنود أخيراً، وبمساعدة أحد الجيران، تمكنت آمنة من الفرار إلى منزل صديقة لها في جزء أكثر أماناً من المدينة. 

"لم أتمكن من شرح ما حدث إلا لصديقة أخرى تعيش خارج السودان، فأرسلت لي بعض المال ونصحتني بمغادرة المدينة بسرعة". هربت آمنة من المدينة وسافرت في جميع أنحاء السودان حتى وصلت إلى مأوى للنازحين داخليًا.

 

الاعتداءات الجنسية ممنهجة

العنف الجنسي الذي طال النساء من مختلف الأعمار، لم يكن مجرد أثر جانبي للصراع بل سلاحًا ممنهجًا استخدم لترهيب المجتمعات وكسر إرادتها وذلك وفقا لـ الدكتورة سليمى إسحق مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، إسحاق كشفت في تصريحات صادمة ومؤلمة تفاصيل هذا الوجه المظلم، مسلطة الضوء على الانتهاكات التي ارتكبت تحت سمع العالم وبصره، وموجهة أصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع كأداة رئيسية لهذا العنف.

إسحق أكدت أن العنف الجنسي الذي تعرضت له النساء في السودان كان منهجيًا، مشيرة في الوقت نفسه إلى تصوير مقاطع وإرسال رسائل عبر مجموعات مغلقة من الجنود الذين اغتصبوا الفتيات والنساء في السودان. 

إسحق ترى  أن هذه الانتهاكات كانت تُستخدم كسلاح، حيث كانت غالبية الاعتداءات تحدث داخل المنازل "وبعضها يحدث في الشارع وخلال اشتباكات وإطلاق للنار"

وأضافت إسحق أن العنف الجنسي وقع في دارفور، والخرطوم، والجزيرة بشكل ممنهج، "وكان الجنود يقتحمون المنازل ويأخذون الفتيات تحت سمع ونظر أسرهن، مما أدى إلى هروب الأسر خوفًا من هذه الاعتداءات" 

وتشير إسحق أيضا إلى أن النساء من جميع الأعمار تعرضن لهذا العنف "بدءًا من الطفلات بعمر 6 سنوات وصولًا إلى النساء في السبعين من العمر".

إسحق أكدت أن الاعتداءات الجنسية استهدفت النساء في مناطق الصراع بطرق مختلفة، موضحة أن العنف الجنسي لم يستهدف فئة عمرية معينة، بل طال جميع النساء، وهو ما يعكس غياب نمط استهداف عمري محدد.

 

الأرقام أقل بكثير من الواقع

تُعد قضية توثيق العنف الجنسي في السودان تحديًا بالغ التعقيد، يواجهه غياب الشفافية وضعف الاستجابة الدولية. 

وهو ما تؤكده د. سليمى إسحق، حيث أوضحت أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وثقت 546 حالة عنف جنسي منذ بداية الحرب في السودان مشيرة أن الخدمات الصحية تلعب دورًا محوريًا في توثيق حالات العنف الجنسي.

إسحق أوضحت أن ما يتم الإعلان عنه يمثل جزءًا ضئيلًا من الحقيقة، حيث "تشير التقديرات إلى أن الحالات الموثقة لا تتجاوز 2% من إجمالي الانتهاكات الفعلية"

وأشارت إسحق إلى أن "المجتمع الدولي قد خذل النساء السودانيات في البداية حين لم يعمل على الاعتراف بجرائم الدعم السريع بشكل واضح ورغم ذلك كان للمنظمات الدولية دور أساسي في توثيق هذه الجرائم" حسب تعبيرها 

 إسحق أضافت أن الغالبية العظمى من الانتهاكات  "حوالي 98% منها ارتُكبت على يد قوات الدعم السريع، التي ساهمت بشكل غير مباشر في إثبات هذه الجرائم من خلال توثيقها بالصور ومقاطع الفيديو. 

"هذه الأدلة دفعت المجتمع الدولي إلى التعامل بجدية أكبر مع هذه الانتهاكات".

وشددت إسحق على ضرورة التركيز على دعم الناجيات، مؤكدة أهمية العمل على تعزيز قدراتهن للتعافي، وإعادة بناء حياتهن، مؤكدة "أن المجتمع يجب أن ينظر إلى النساء كأفراد مستقلات قادرات على اتخاذ قراراتهن واستعادة السيطرة على مسار حياتهن"

انفو-جراف-png

 

تبعات صحية مؤلمة تعيشها المغتصبات


بينما يُعد الاغتصاب حادثة صادمة تهز حياة الضحايا، تظل تبعاته المدمرة ترافقهن على المستويين الصحي والنفسي لفترات طويلة. 


د. هند محمود، أمين عام منظمة صحة نساء السودان، سلطت الضوء على هذه التداعيات، مؤكدة أهمية توجيه الدعم نحو تعزيز الصحة الإنجابية وتقديم الرعاية الشاملة للناجيات.


ودعت محمود، أمين عام منظمة صحة نساء السودان، إلى ضرورة توجيه الدعم إلى مكافحة العنف ضد النساء في السودان وبالتحديد نحو تعزيز الصحة الإنجابية. 


وأكدت محمود على أهمية تخصيص التمويل لمساعدة الناجيات من العنف الجنسي والزواج القسري، إضافة إلى توفير الدعم الطبي والنفسي اللازم.


وقالت: "تواجه النساء في بعض المناطق السودانية حالات تزويج قسري بهدف تجنب الاغتصاب، لكن للأسف يفتقر المجتمع إلى الدعم الطبي والنفسي الكافي للتعامل مع هذه الحالات". 


وتابعت: "نحتاج إلى زيادة الوعي ورفع الدعم الموجه للصحة الإنجابية والاهتمام بالأزمات التي تواجهها النساء في النزاع".


كما تحدثت عن الوضع الميداني في السودان، حيث توقفت العديد من خدمات الرعاية الصحية الإنجابية بسبب الحرب، مما أدى إلى تعطل مستشفيات مهمة. وأشارت إلى أن غياب الدعم الطبي والنفسي قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية والنفسية للنساء المتضررات من العنف الجنسي.


هند محمود أوضحت أن أهم التحديات التي تواجه النساء في مناطق النزاع تشمل الحمل الناتج عن العنف الجنسي، والأمراض المنقولة جنسيًا، والنزيف، وسوء التغذية.


 كما أكدت محمود على ضرورة تحسين الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية عبر توفير مراكز صحية متكاملة، وتدريب العاملين الصحيين، وزيادة الوعي حول ضرورة إزالة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعنف الجنسي.


من جهة أخرى، أشارت محمود إلى أن "الخدمات النفسية المقدمة للناجيات من العنف الجنسي لا تزال غير كافية، حيث تواجه النساء صعوبة في الحصول على الدعم النفسي المناسب نتيجة للوصمة الاجتماعية التي تحيط بالعلاج النفسي". ودعت إلى توفير برامج دعم نفسي واجتماعي شاملة، إلى جانب توفير دعم مادي مباشر للنساء المتضررات.


أخيرًا، أكدت د. هند محمود على أهمية استمرار العمل في هذا المجال رغم التحديات الكبرى، مشيرة إلى أن المرأة التي تعرضت للعنف الجنسي لا تكون "ناجية" فحسب، بل هي ضحية تتطلب دعمًا طويل الأمد لمساعدتها في تجاوز محنتها.


دعم الناجيات نفسيا واجتماعيا


تُعد صدمة الاغتصاب من أسوأ التجارب التي قد تمر بها النساء، وغالبًا ما تترك آثارًا نفسية وجسدية طويلة الأمد على الضحايا الناجيات. 


في هذا السياق، توضح الدكتورة في الصحة النفسية نعمة الزبير دور المجتمع في مساعدة الناجيات على التكيف مع تبعات التجربة. وتُبرز رؤيتها أهمية ردود أفعال المحيطين بهن، من الأهل والأصدقاء، في تقديم الدعم اللازم، مع التركيز على احترام خصوصيتهن وتجنب السلوكيات الضارة. 


كما تسلط الزبير الضوء على الآليات النفسية التي تنشأ لدى الضحايا أثناء وبعد الحادث، والأعراض الشائعة التي قد تترتب على ذلك، مشيرة إلى أهمية الاستعانة بمختصين لمواجهة التحديات الناتجة عن هذه التجربة الأليمة.


الزبير أكدت  أن ردود أفعال المحيط الاجتماعي، بما في ذلك الأهل والأصدقاء، تشكل عاملاً حاسمًا في تحديد قدرة الناجيات على تقبل التجربة، ومعالجتها، والتكيف مع تبعاتها. 


أوضحت الزبير أن الدعم يجب أن يكون متمحورًا حول احترام رغبات الضحية وتقديم المساعدة دون أحكام أو ضغوط، مشيرة إلى أن الجاني وحده يتحمل المسؤولية عن الجريمة.


وأضافت الزبير أن دور المقربين لا يقتصر على الدعم العاطفي، بل يشمل استشارة المختصين النفسيين عند الحاجة، وتجنب اتخاذ أي إجراءات دون موافقة الناجية. 


كما نبهت إلى أهمية التعامل بحذر مع الشريك والأقارب، إذ قد يعانون بدورهم من آثار الصدمة، ما يستدعي إشراكهم في استشارات نفسية لتجنب تفاقم المشكلات الاجتماعية والدينية.


وأشارت  الزبير إلى أن تجربة الاغتصاب تسبب صدمة عميقة تختلف ردود أفعال الضحايا حيالها، حيث قد تتراوح بين الذهول، والدفاع اللفظي أو الجسدي، ومحاولات النجاة بأقل الأضرار. 


وأوضحت أن الآثار النفسية تشمل الذعر، واضطرابات النوم، والوسواس القهري،  الاكتئاب، والتفكير الانتحاري، والإدمان، مشيرة إلى أن غياب الدعم أو وجود وصمة اجتماعية يزيد من حدة هذه التبعات.


وأبرزت أن تجاوز هذه المحنة قد يستغرق سنوات، ويتطلب مساعدة متخصصة، تحترم إيقاع كل ضحية في التعامل مع تجربتها، مع العمل على إزالة الوصمة الاجتماعية المحيطة بالعلاج النفسي.

 

الأطر القانونية لمكافحة العنف الجنسي


يشير مصطلح "العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات" (CRSV) إلى مجموعة من الأفعال الجسيمة التي تشمل الاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والزواج القسري، وأشكالًا أخرى من العنف الجنسي التي تؤثر على النساء والرجال والفتيات والفتيان في سياقات النزاعات المسلحة.


ويستند هذا المفهوم إلى قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بدءًا من القرار 1325 (2000) وصولًا إلى القرار 2467 (2019)، التي تؤكد على أهمية حماية المدنيين، ولا سيما النساء والفتيات، من العنف الجنسي في النزاعات.


ووفقًا للمادة 149 من القانون الجنائي السوداني المُعدل لعام 2020، يُعرَّف الاغتصاب بأنه أي فعل يؤدي إلى إيلاج عضو جنسي أو أداة أو أي جزء من الجسم في فتحة فرج أو شرج المجني عليه/عليها، وذلك باستخدام القوة أو التهديد أو العنف أو الاحتجاز أو الإكراه النفسي أو استغلال السلطة أو الإغراء. كما يشمل القانون الحالات التي يتم فيها ارتكاب الفعل ضد شخص غير قادر على التعبير عن رضاه لأسباب طبيعية أو إغوائية أو ذات صلة بالعمر. ويهدف هذا التعديل إلى توسيع نطاق الحماية القانونية للضحايا وتعزيز سبل محاسبة الجناة


الإطار القانوني الدولي والمحلي 


يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهدان الدوليان 1966 الأساس القانوني الدولي لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك مكافحة العنف الجنسي.


 المنسق العام لمركز الثريا القانوني في السودان رشيدة الأنصاري أكدت أن قضايا العنف الجنسي من اغتصاب وتحرش جنسي تمثل أداة  حرب وهي ترقى  لتكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.


الأنصاري أشارت أيضا إلى أنه حين  تطبيق المادة 188 من القانون الجنائى السودانى 1991 تعديل 2015 "نجد أنها عاجزة عن الفصل فى مثل هذه النزاعات لعدم تماشيها مع نظام روما الأساسي"


وترى الأنصاري أن "المادة 188 من القانون الجنائى المعدل ، غير متماشية مع تعريف العنف الجنسي وفق نظام روما، مضيفة أنها وضعت بشكل مرتجل فجاء تعريف المادة المذكورة أعلاه كتعريف جريمة الاغتصاب بالمادة 149في القانون نفسه"


الأنصاري أوضحت أيضا أن "غياب الأمن أدى الى غياب المؤسسات العدلية بمعظم مناطق النزاع، مشيرة في الوقت نفسه إلى "أن أغلب الناجيات يتخوفن من الإبلاغ عن هذه الانتهاكات خوفا من مجتمعاتهن، كما أن كثيرا من الأسر تمنع الناجية من التبليغ خوفا من العار وتجنب نظرة المجتمع السلبية"

 


تحديات قانونية ترتبط بالإجهاض الآمن


وبينما تعد جريمة الاغتصاب انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، تاركة آثاراً بالغة الخطورة على الضحايا، في كثير من الحالات ينتج عن هذه الجريمة حمل غير مرغوب فيه، مما يزيد من معاناة الضحايا ويطرح تساؤلات حول الحقوق الإنجابية والواجبات القانونية في ظل مثل هذه الظروف.


وفي هذا الصدد تشير الأنصاري إلى أن القانون السوداني في المادة 135 الفقرة ب، يجيز الإجهاض في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب، بشرط ألا يتجاوز عمر الجنين 90 يوماً وأن ترغب المرأة في ذلك.


 ومع ذلك، تواجه النساء السودانيات تحديات كبيرة في الوصول إلى هذه الخدمة، فمن الناحية القانونية، لم يحدد القانون الجهة المختصة بإعطاء الإذن بالإجهاض، مما يخلق ارتباكاً إجرائياً. 


بالإضافة إلى ذلك، فإن الرفض الاجتماعي تجاه الإجهاض بشكل عام يزيد من معاناة الضحايا، كما أن الإجراءات القانونية الطويلة قد تؤدي إلى تجاوز الفترة القانونية المحددة للإجهاض.


 وللتغلب على هذه العقبات، اقترحت الأنصاري ضرورة توعية المجتمع بحق الضحايا في الإجهاض، وتبسيط الإجراءات القانونية وتحديد الجهة المسؤولة عن إعطاء الإذن، بالإضافة إلى منح الأطباء المختصين صلاحية تحديد الفترة الآمنة للإجهاض."


وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أفادت في 15 ديسمبر من العام الماضي بأن مقاتلي قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معهم ارتكبوا انتهاكات جسيمة ضد النساء والفتيات في ولاية جنوب كردفان بالسودان منذ سبتمبر/أيلول 2023.


ووفقا للمنظمة نفسها تضمنت هذه الانتهاكات عمليات اغتصاب جماعي وعنف جنسي في سياق العبودية الجنسية. واصفة هذه الجرائم بأنها "انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وترقى إلى مستوى جرائم الحرب، مع احتمال تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية". 


ووفقًا لآخر إحصائية نشرها مكتب الأمم المتحدة للمرأة في 26 ديسمبر 2024، فإن السودان يشهد تصاعدًا غير مسبوق في حالات العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات والأزمات الإنسانية. وتواجه النساء والفتيات تحديات كارثية تتفاقم بسبب النزاعات المسلحة والتهجير القسري وانهيار البنية التحتية، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال والاعتداءات. ووفقًا للتقرير، فإن هناك ستة ملايين امرأة نازحة نتيجة العنف والنزاعات، فيما يوجد 2.5 مليون فتاة خارج النظام التعليمي، مما يزيد من مخاطر التعرض للعنف الجنسي والزواج القسري. كما شهدت المؤسسات التي تقدم الدعم الطبي والنفسي والقانوني ارتفاعًا بنسبة 288% في عدد الناجيات اللواتي يطلبن المساعدة، وهو ما يعكس اتساع نطاق الجرائم وغياب آليات الحماية الفاعلة.


في ضوء هذه الأرقام الصادمة، أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة حملة تحت شعار #لا_عذر، دعت من خلالها إلى وقف كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة الاستهداف المنهجي للنساء في مناطق النزاع. كما شددت على أهمية تمويل المنظمات المحلية التي تقودها النساء، نظرًا لدورها المحوري في تقديم الدعم المباشر للناجيات وفهم احتياجاتهن. وركّزت الحملة أيضًا على ضرورة توفير ملاذات آمنة وخدمات شاملة للناجيات، بما يشمل الرعاية الطبية والدعم القانوني والنفسي، مع ضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. بالإضافة إلى ذلك، أكدت على أهمية استعادة السلام المستدام من خلال إشراك النساء في عمليات صنع القرار وبناء السلام، باعتبار أن مشاركة المرأة عنصر أساسي في تحقيق الاستقرار.

 


تم العمل على هذا التقرير بين 1 ديسمبر 2024  و 7 يناير 2025 وتم إضافة أخر تعديل عليه بتاريخ 30/يناير/2025