Please ensure Javascript is enabled for purposes of website accessibility
en

الحجاب في ليبيا: من شائعة مضللة إلى تصريحات حكومية تهدد حيوات النساء

calendar_month التاريخ:01/01/1970

website-image-png

 

ما بدأ كخبر مضلل حول توقيف طالبة في جامعة طرابلس بسبب عدم ارتداء الحجاب، أصبح شبه حقيقة تُثير الجدل في ليبيا.


قبل أشهر تلقى هذا الادعاء أصداء واسعة على منصات التواصل الاجتماعي حيث أثار موجة من التعليقات بين مؤيدين ومعارضين. لكن الأمور أخذت منحىً أكثر جدية بعد تصريحات وزير الداخلية الليبي في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي الذي أعلن بتاريخ 6 نوفمبر 2024 عن نية فرض الحجاب على النساء وإعادة دوريات شرطة الآداب في ديسمبر/كانون الأول 2024  "لصون تقاليد المجتمع" على حد تعبيره. 


وأوضح الطرابلسي أن الأجهزة الأمنية ستمنع "صيحات" الشعر غير المناسبة وملابس الشباب التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع وخصوصياته وسيضمن ارتداء النساء ملابس "متواضعة" ويمنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة. كما واقترح أيضا منع النساء من السفر داخل البلاد من دون مرافقة ولي أمر ذكر، مضيفا أن أولئك الذين "يسعون إلى الحرية الشخصية يجب أن يذهبوا إلى أوروبا". 


هذه التصريحات لم تمر دون ردود فعل؛ فبينما يؤيده البعض على منصات التواصل الاجتماعي تعتبره عدة ناشطات حقوقيات تهديدًا صارخًا للحريات الفردية، وإمكانية للتركيز على مسائل هامشية على حساب القضايا الأمنية الكبرى. 


ووسط هذه الأجواء المشحونة تتحدث نساء ليبيات عن تأثير هذه التصريحات الجديدة على حياتهن اليومية، محذرات في نفس الوقت من تبعاتها على حرياتهن وسلامتهن الشخصية.


تُرجمت هذه التصريحات على أرض الواقع بتصعيد حالات العنف المجتمعي والتحرش في الأماكن العامة ضد النساء بتنوعاتهن وخصوصاً أولئك الغير محجبات منهن إذ تحدثت الإعلامية الليبية زينب تربح في مقطع فيديو مصور عن أنها باتت تتعرض وأي امرأة لا ترتدي الحجاب في الشارع للتحرش والمضايقات بشكل متزايد عقب المؤتمر الصحفي الخاص بوزير الداخلية الليبي، مشيرة إلى أن حياتها أصبحت معرضة للخطر.


وفي رسالة وجهتها لوزير الداخلية تساءلت تربح "لمن نشكو ما نتعرض له؟... إن تسببت المضايقات في تعرضي لحادث أثناء قيادتي السيارة من سيتحمل مسؤولية موتي؟... إن توجهت لإحدى المؤسسات التابعة للدولة بغرض التبليغ عن تحرش هل سيقف القانون في صفي؟"


وثق فريق هي تتحقق عدداً من الشهادات لحوادث عنف تعرضن لها نساء بفعل تصريحات طرابلسي الأخيرة، منها قصة ف. أ. التي تقول: "كنت أعلم أنني سأُستَهدف في الشارع نتيجة عدم ارتدائي الحجاب عقب مؤتمر وزير الداخلية ولكنني لم أتوقع أن يصل الأمر إلى حد اللمس والإيذاء المباشر. كنت خارجة من أحد المحال وبينما كنت أدخل سيارتي قام أحدهم بشد شعري للوراء، ولم أكن قادرة على فعل شيء، ورأيت صاحب المحل ورجالًا آخرين يقفون بدهشة، وينظرون له دون التدخل ولو بكلمة لإيقافه، وبعد أن همس في أذني بكلمات نابية، فك قبضته عن شعري، وتوجه نحو سيارته، بدأتُ بشتمِه ولكنه كان قد ركب سيارته وانطلق بها وكأن شيئاً لم يكن.


"دخلت السيارة وجسمي كله يرتعش خوفا، ليس فقط من المتحرش بل أيضاً من كل الحاضرين الذين شاهدوا الحدث ولم يفعلوا شيئا. قمت بمهاتفة شقيقي الذي جاء مسرعًا للوقوف إلى جانبي، وحين طلبنا من صاحب المحل تزويدنا  بنسخة عن فيديو يصور الحادثة التي قد تكون التقطها كاميرا المراقبة المتجهة نحو  مكان ما كنت أركن سيارتي، قال لنا بأن الكاميرا معطلة! 


من المخزي أن تعيش في مجتمع يقبل بإهانة نسائه ولا يقدم لهن الحماية.


أما ل.ف فأخبرتنا أنها تعرضت للسب العلني من قبل عدة أشخاص أثناء قيادتها للسيارة مشيرة أن أحدهم قام بشتمها ومن ثم بتهديدها قائلًا "جايك الحبس يا سافرة".


أكدت لنا ل.ف أن هذا لن يدفعها إلى ارتداء الحجاب مشيرة إلى  أنها تنحدر من أسرة نساؤها لا يرتدين الحجاب "والدتي وجدتي وخالاتي وأيضا عماتي لا يرتدين الحجاب وإن تم فرض قرار كهذا سنقاوم ولن نرتديه مرغمات"


وتضيف "هذا القرار يمثل طعنا في أخلاقنا ووزير الداخلية حين تحدث عن تفعيل شرطة الآداب ثم تحدث عن فرض الحجاب جعلنا نبدو كالعاهرات لعدم ارتدائنا الحجاب.. هذا غير مقبول أنا أكاديمية ووالدتي أكاديمية وجميعنا تحصلنا على تعليم عالي ومعروفات بأخلاقنا الحميدة"

تقليص خيارات النساء

تخبرنا س.ك بأنها الوحيدة في الأسرة التي لا ترتدي الحجاب حاليًا بينما ارتدته إحدى أخواتها بعد الزواج والأخرى عن قناعة، وتضيف: والدي لم يفرض الحجاب علينا على الرغم من أن جميع نساء وفتيات العائلة ارتدينه بعد البلوغ حيث أخبرنا أننا حين نكون مستعدات سنرتديه عن قناعة وإن لم يحدث هذا يوما فلا بأس"


تضيف س.ك "حين تحدث وزير الداخلية عن إمكانية فرض الحجاب تضايقت جدا لأنني كنت أفضل أن يكون الأمر عن قناعة وليس إجبارا..ما قيمة أن نرتدي الحجاب إن لم نقتنع به؟ كان الأولى أن يعمل على إقناعي لا تهديدي وإجباري!"


وتشير س.ك "عقب مؤتمر وزير الداخلية ذهبت للعمل حيث كانت نظرات الجميع منصبة علينا أنا وزميلة أخرى غير محجبة طوال اليوم، ثم تشجع أحدهم وقام بسؤالنا :"هل سترتدين الحجاب" لم أعرف كيف أجيب ولكنني حتمًا شعرت بأنني لم أعد حرة في الإجابة كما السابق ولم يعد الأمر مريحا في العمل أيضا"

 

تهدئة الشارع بسلب حقوق النساء 


ترى أستاذة العلوم السياسية والناشطة الحقوقية، عبير منينة، أن الإجراءات الأخيرة تستهدف تضييق مشاركة النساء في الفضاء العام، معتبرة أن هذه التحركات تأتي في إطار تهدئة الشارع المحتقن بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة والفساد، وذلك عبر سلب حقوق النساء وتقييد حرياتهن.


وأكدت منينة أن هذه الإجراءات سيكون لها تأثير مباشر على وضع النساء في ليبيا، موضحة أن "المناخ العام، سواء على المستوى المؤسسي أو الشعبي، يعكس توجهًا يناهض حرية النساء ويميل نحو إقصائهن من الفضاء العام، ووضعهن تحت وصاية المحرم".


وترى منينة أن فرض مثل هذه القرارات يمثل تراجعًا خطيرًا في الحقوق المكتسبة للنساء، خاصة تلك المتعلقة بحرية الحركة والتعبير والتجمع، والمذكورة في الإعلان الدستوري. وأشارت إلى أن هذه الحقوق، حتى وإن لم تكن مخصصة للنساء بشكل خاص، فهي تمثل جزءًا أساسيًا من حقوق المواطنة الليبية.


وشددت منينة أن على الجهات الأمنية وعلى رأسها وزارة الداخلية الاهتمام باختصاصاتها ولا سيما المتعلقة بضبط الشارع وحماية المواطنين وضبط النظام العام الذي لا علاقة له بلباس النساء" مؤكدة في الوقت نفسه على احترام المعاهدات الدولية التي وقعت عليها ليبيا والخاصة  باحترام حقوق النساء.

 

النساء عرضة للاستهداف


من جانبها تؤكد الناشطة الحقوقية دينا الزروق، أن تصريحات وزير الداخلية حول لباس النساء خلال مؤتمره الصحفي الأخير جعلت النساء عرضة للاستهداف، حتى دون إصدار قرار رسمي. وترى أن هذه التصريحات قد تكون ذريعة لمزيد من المضايقات، إذ يمكن أن يستغلها البعض لتبرير سلوكياتهم ضد النساء في الفضاء العام.


وتشير الزروق إلى حادثة سابقة حدثت قبل عامين في طرابلس، عندما صدر قرار يمنع النساء من السفر دون محرم. وتلفت إلى أن ذلك القرار أدى إلى تعرض العديد من النساء للمضايقات والتحرش من قبل أفراد أمن المطار أثناء رحلاتهن، مما يعكس مدى تأثير القرارات والتصريحات الرسمية على سلوكيات الأفراد.


وأعربت الزروق عن عدم توقعها لأي إمكانية حقيقية لفرض الحجاب بشكل رسمي على مستوى ليبيا، مشيرة إلى أن هذا الأمر لم يحدث في العهود السابقة، سواء في فترة المملكة أو حكم القذافي، ولا حتى خلال الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 17 فبراير. وأكدت على أن حرية الأفراد، بما في ذلك حرية النساء، مكفولة قانونًا بموجب الإعلان الدستوري، والذي لا ينص على أي إلزام بارتداء الحجاب. وأضافت أن ليبيا تتميز بثقافتها الخاصة ولن تتبنى أفكارًا متطرفة لا تتناسب مع واقعها.


الزروق وهي غير محجبة شددت على حقها كمواطنة ليبية كاملة الأهلية في اتخاذ قراراتها الشخصية دون ضغوط أو إملاءات. وأكدت أنها لن تقبل بفرض الحجاب عليها في بلدها، لافتة إلى أن حرية المرأة في الاختيار جزء من الحقوق الأساسية التي يضمنها القانون الليبي.


وأوضحت الزروق أن أي سياسات فعّالة في المجتمع تتطلب دولة مستقرة ومؤسسات شرعية. وانتقدت غياب الحكومات الشرعية والبرلمان الفعّال الذي يعنى حقًا بقضايا المواطنين/ات وهمومهم اليومية. وقالت إن الشعب الليبي لا يحتاج مسؤول في السلطة يملي عليهم كيف يرتدون أو كيف يعيشون، بل يحتاج حكومة تهتم بتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق الاستقرار.

الحجاب ليس معيارا للأخلاق


نهلة مهدي وهي صحفية ليبية تعتبر أن فرض الحجاب قسرًا يشكل انتهاكاً واضحاً لحرية الاختيار الشخصية. وترى أن هذه الخطوة قد تساهم في خلق توترات اجتماعية وانقسامات داخل المجتمع الليبي، الذي يتميز بتنوعه الثقافي والاجتماعي. وانتقدت الترويج لهذا القرار كمعيار للأخلاق، معتبرة أنه يشكك في أخلاق العائلات الليبية ويقلل من شأن النساء، خصوصاً وأن معظم النساء الليبيات يرتدين الحجاب بشكل اختياري. وأشارت إلى أن العاصمة طرابلس حيث تعيش، لم تشهد ما يُعتبر لباسًا "غير محتشم" حتى من النساء غير المحجبات، مما يعكس ضيق أفق تصريحات الوزير وعدم دقتها في تمثيل المجتمع الليبي.


ربطت نهلة هذا التوجه بتجارب لدول أخرى حاولت فرض الرقابة الاجتماعية بالقوة، وانتهت تلك المحاولات بنتائج عكسية. وحذرت من أن الضغط يولد الانفجار، مشددة على أن الحرية لا تعني الفوضى، بل تُعبر عن مسؤولية شخصية. وأضافت أن الاعتقاد بأن تغطية شعر الفتيات الصغيرات قد يحمي المجتمع من الانحلال يعبر عن فهم مشوه للحرية الفردية ويحتاج إلى مراجعة شاملة. كما أشارت إلى المضايقات المتزايدة التي تعرضت لها بعض النساء بعد تصريحات الوزير، مؤكدة على خطورة هذه السياسات، التي زادت من التهديدات ضد النساء غير المحجبات والناشطات في مجال حقوق المرأة، مما يعمق التمييز والعنف ضد النساء.


نهلة انتقدت تحميل النساء مسؤولية الفساد المجتمعي، ووصفت هذا النهج بغير العادل، خصوصًا أن ليبيا تسجل معدلات مرتفعة من الفساد، والرجال يشكلون الأغلبية في القضايا المتعلقة بالفساد التي تتولاها الجهات القضائية. ورأت أن تحميل النساء المسؤولية يمثل تبريرًا للفشل العام. واستذكرت تجربة سابقة في عام 2007، عندما حاولت السلطات فرض حظر على سفر النساء دون محرم، لكن الحركة المدنية الليبية تمكنت من إلغاء القرار في يوم واحد بعد موجة رفض واسعة، مما يبرز قوة المجتمع المدني في البلاد.


وتختتم نهلة بالتأكيد على أن ليبيا بحاجة إلى دولة تعتمد على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، وتحترم التنوع والاختلاف مثل المجتمعات التي يسافر إليها الليبيون ويعجبون بقيمها القائمة على احترام الحريات والحقوق الفردية. ودعت السلطات إلى الالتزام بالقوانين المحلية والدولية التي تضمن حقوق الأفراد، وإلى توفير بيئة آمنة للنساء للمشاركة في إعادة بناء البلاد على أسس قانونية حديثة ومتساوية. وشددت على أن معركة حقوق المرأة تتجاوز مسألة اللباس أو حرية التنقل، وهي جزء من نضال أوسع لتحقيق مجتمع عادل يحكمه القانون ويعزز التنوع.

 

لا توجد قوانين سابقة أو حديثة تفرض الحجاب


لم تشهد ليبيا تاريخيًا فرض الحجاب على النساء بشكل إلزامي، وعلى الرغم من أن بعض المدارس الإعدادية والثانوية تفرض الحجاب على الطالبات إلا أنها تفرضه كجزء من اللباس المدرسي فقط والأمر لا يحدث في كل المدارس في ليبيا.


الخبيرة القانونية خديجة البوعيشي اعتبرت تصريحات وزير الداخلية الليبي تجاوزًا قانونيًا. وبحسب البوعيشي، فإن الوزير أقدم على انتهاك حقوق دستورية مثل حرية اختيار اللباس والتنقل، حين أشار إلى نيته فرض الحجاب على النساء ومنعهن من السفر إلا بموافقة أو بوجود محرم، إلى جانب تناوله قضية الاختلاط في المقاهي والأماكن العامة.


البوعيشي أكدت أن هذه التصريحات تعد تفسيرا مغلوطًا للقانون الليبي الذي لا تتضمن مواده أي نصوص تلزم النساء بارتداء الحجاب أو تقييد حريتهن في التنقل. كما ترى  البوعيشي أن تصريحات الوزير أسهمت بشكل غير مباشر في تشجيع حملات التحرش والإساءة ضد النساء، مما جعلهن أهدافًا للعنف اللفظي والملاحقة إذا لم يمتثلن لمعايير اللباس التي اقترحها. وتؤكد البوعيشي أنه كان ينبغي على الشرطة التركيز على دورها في حماية الحقوق وضمان احترامها بدلاً من فرض قيود غير قانونية على حريات الأفراد.

ردود الفعل الدولية تستهجن القرار


تلتزم ليبيا قانونيًا بإنهاء جميع أشكال التمييز ضد النساء وضمان حريتهن في الحركة بصفتها دولة موقعة على عدة معاهدات حقوقية دولية، بما في ذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وبروتوكول مابوتو بشأن حقوق المرأة في أفريقيا. ومع ذلك فإن التدابير المقترحة تتعارض مع هذه الالتزامات إذ تهدد حقوقًا أساسية مثل الخصوصية والاستقلال الجسدي وحرية التعبير والتجمع.


في هذا السياق، أدانت هيومن رايتس ووتش هذه الخطوات بشكل قاطع، مشيرة إلى أن "ليس هناك أي أساس قانوني لفرض "شرطة الآداب" أو لإلزام النساء والفتيات بارتداء الحجاب. على الحكومة والمجتمع الدولي أن يرفضوا مثل هذه الإجراءات التي تنتهك الحقوق الأساسية للنساء".


من جهتها، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن تهديدات وزير الداخلية بتقييد الحريات الأساسية باسم "الأخلاق" تمثل تصعيدًا خطيرًا في مستويات القمع في ليبيا. ووصفت المنظمة هذه الخطوات بأنها انتهاك واضح للالتزامات الدولية لليبيا، مؤكدة على ضرورة أن تتراجع السلطات الليبية عن هذه السياسات القمعية، وأن تركز بدلاً من ذلك على معالجة أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في البلاد.

 

كيف هو وضع النساء في ليبيا؟

تواجه النساء في ليبيا، وفقا للأمم المتحدة، تحديات كبيرة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية المعقدة، والتي تفاقمت نتيجة للنزاع المستمر والانقسامات السياسية. ويؤثر هذا النزاع بشكل كبير على أوضاع النساء والفتيات، حيث يزيد من مستويات العنف بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي.

 

وتشير بيانات مؤشر عدم المساواة بين الجنسين إلى أن ليبيا تسجل 0.187 على هذا المؤشر، مما يضعها في المرتبة 72 عالميًا. هذا التصنيف يعكس الفجوة الكبيرة بين الجنسين في مجالات متعددة، حيث إن نسبة تمثيل النساء في البرلمان لا تتجاوز 16%، وهي نسبة منخفضة تعكس التحديات التي تواجهها النساء في الوصول إلى مواقع صنع القرار.

 

ووفقًا لمؤشر المرأة والسلام والأمن الصادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، احتلت ليبيا المرتبة 122 عالميًا من أصل 177 دولة تم تصنيفها في التقرير الصادر للعام 2023-2024. يعكس هذا التصنيف الوضع المتردي الذي تعاني منه النساء في ليبيا نتيجة للصراعات المستمرة وانعدام الاستقرار.

 

يواجه النظام الصحي في ليبيا أيضًا تحديات مرتبطة بصحة المرأة، حيث يبلغ معدل وفيات الأمهات 72 وفاة لكل 100,000 ولادة حية، وهو رقم يشير إلى احتياجات ملحة لتحسين الرعاية الصحية المقدمة للنساء، خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة. أما معدل ولادات المراهقات، والذي يبلغ 7.6 ولادة لكل 1,000 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا، فيعكس تحديات اجتماعية وثقافية تواجه الفتيات في سن المراهقة.


تتعرض النساء أيضًا للعنف الجسدي والنفسي، والعنف الجنسي، والعنف الرقمي، بالإضافة إلى العنف داخل الأسرة. وتُعد الأطر القانونية الحالية في ليبيا غير كافية لحماية النساء من هذه الأشكال المتعددة من العنف، إذ تفتقر إلى آليات التنفيذ والتطبيق الفعّالة، وتظل العديد من القوانين الوطنية متعارضة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما تعاني النساء من تحديات في النظام التعليمي، حيث أن 69.2% من النساء فقط حصلن على تعليم ثانوي أو أعلى، مقارنةً بنسبة 67.7% من الرجال، ما يشير إلى أن التمييز التعليمي بين الجنسين لا يزال قائمًا وإن كان الفارق ضئيلاً.


كما تواجه النساء في ليبيا تحديات اقتصادية كبيرة، حيث تصل نسبة مشاركة النساء في سوق العمل إلى 17.6% فقط، مقارنة بنسبة 65.9% للرجال. هذه الأرقام تشير إلى التمييز في فرص العمل وصعوبة حصول النساء على وظائف مناسبة، بالإضافة إلى التحديات التي تعترض طريقهن في الوصول إلى مراكز القيادة وصنع القرار، سواء في المجالين العام أو الخاص.

 

في ظل هذه الظروف، وبرغم بعض المحاولات لتحسين الأوضاع، مثل إنشاء وحدات لرعاية المرأة والطفل داخل وزارة العدل، وتقديم بعض الخدمات للناجيات من العنف، إلا أن هذه الجهود تظل غير كافية ومحدودة. وتعاني هذه المبادرات من نقص في التمويل والموارد، مما يعوق تنفيذ الخطط الوطنية لحماية النساء وتعزيز حقوقهن، ويبقي على الفجوات القائمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يزيد من صعوبة تحسين أوضاع النساء في ليبيا في المستقبل القريب.


وفي حين كان يُتوقع أن تتوجه الحكومة وعلى رأسها وزارة الداخلية لمواجهة قضايا اقتصادية وأمنية أكثر إلحاحًا، يبدو أن القضايا المتعلقة بحرية النساء قد أصبحت مجالًا رئيسيًا للتلاعب السياسي في بلد يحتل المرتبة الـ10 عالميًا كأكثر الدول فسادًا عام 2024 وفق مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية.