Please ensure Javascript is enabled for purposes of website accessibility
ar

لمُّ شمل العائلة

calendar_monthDate: 24/05/2025

بقيت فتحية (52 عامًا)، القاطنة في حي النصر غرب مدينة غزة، مع أبنائها الثمانية في شمال قطاع غزة رغم تكرار النزوح، حتّى بعد اعتقال زوجها، وترحيله للجنوب. لم تتوقع  أنّ حرب السابع من أكتوبر ستغير مجري حياتها إلى حدٍ يصبح عنده لقاء شريك حياتها مستحيلاً، والسبب حاجز "نيتساريم" الذي شقّ البلاد إلى نصفين.  

قررت فتحية أن تبقى في منزلها بجوار زوجها وأولادها وبناتها، حتى غدر بهم صاروخ أصاب منزل جيرانهم يوم الاثنين 9/10/2023، فاضطرت للذهاب لمأوى في مستشفى الأمراض النفسية بالحي الذي تسكنه، وهناك جلست في خيمة صغيرة لا يوجد بها إلا فرشة واحدة ينام عليها سبعة أشخاص، والبقية ينامون خارج الخيمة على الأرض، فيما بقي الزوج يحرس المنزل.  

وفي يوم جمعة صعب بتاريخ 3/11/2023 وبسبب غياب الخصوصية في المستشفى بسبب كثرة النازحين وقلة المياه وعدم وجود أماكن خاصة أو مغلقة بشكل محكم لستر من فيها هربت بنات فتحية إلى المنزل للاغتسال وتبديل الملابس، وبينما هن هناك أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على البيت بصاروخ، فأصيبت وسام وياسمين، شعرت الأم بذلك، وعندما سمعت الخبر جلست تبكي وتقول: بناتي!، حتى وجدتهن على ناقلة الإسعاف غارقات في دمائهن فدعت الله أن يقمن بالسلامة ويكن بخير، كانت إحداهن مصابة برأسها والأخرى بيدها فقامت طواقم الإسعاف بتقديم الإسعافات اللازمة لهن، وبعد ذلك عدن إلى خيمتهن الصغيرة المفتقرة لأي شيء يتعلق بالراحة أو الحياة في مستشفى الأمراض النفسية.

"توالت الأيام، وكان يوم الثلاثاء 7/11/2023 قاسيًا للغاية، سقطت علينا أحزمة نارية عنيفة ووقعت القذائف وأُصيب ابني محمد في رأسه فنقل بالإسعاف إلى مستشفى الشفاء أيضًا لتلقي العلاج، وقررنا مغادرة المكان فوراً بحثاً عن مكان آمن قليلاً فوجدنا بيت أحد الأصدقاء في منطقة أبو إسكندر، وسط غزة، وبرغم ازدحام المكان بالنازحين إلا أنه لا ملجأ آخر متواجد، وكان زوجي بين الحين والآخر يذهب ليتفقد ما بقي من المنزل مع رجال الحارة، ثم فجأة جاء خبر بمحاصرة الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة وهم فيها يوم السبت 11/11/2023، وفقدنا الاتصال بهم لانقطاع الاتصالات في تلك الفترة" .

"فقدنا الأمل وانقلبت الحياة رأساً على عقب، بقيت أبكي حائرة أتساءل عن مصير زوجي، وبقي ابني فايز المصاب بمتلازمة داون في حالة سيئة للغاية نظرًا لتعلقه بوالده فقد كان الصاحب والسند له، كما مرت لحظات قاسية جدًا، وفي ليلة من الليالي سمعنا فجأة صوت دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فذهبتُ مسرعة لأتفقد عائلتي لأننا كنا مقسمين إلى قسمين الإناث في الطابق الأعلى، والذكور في الطابق السفلي الأسفل لضيق المكان، وجمعتهم في غرفة بعيدة عن الشارع العام في نهاية المنزل من الساعة السابعة صباحًا حتى السادسة مساء، وحرصت ألا نصدر أي صوت خاصة مع وجود الأطفال".

بعد مدة من فقدان الزوج، وصل خبر لأحد الأقارب من عامل تم ترحيله إلى جنوب القطاع بأن الزوج معتقل لدى جيش الاحتلال المتواجد على حاجز (معبر كرم أبو سالم)، وعند إخبار فتحية بذلك اطمأنت قليلاً، وقالت: الحمد لله أنه ما زال على قيد الحياة، ولكن القلق لم يفارقها مما سيفعل الاحتلال به حيث التعذيب والتنكيل وغيرها من أساليب الاحتلال القاسية، ثم جاء اتصال للعائلة على هاتف ابنها الكبير محمود من أحد الأقارب يقول: إن جيش الاحتلال أفرج عنه ورحّله من المعتقل إلى الجنوب حيث يبحث عن مكان ليقيم فيه.

"كانت الفرحة عارمة لأننا عرفنا أنه خرجَ سالمًا من عند الاحتلال الإسرائيلي، وبعدها بقينا ساعات طويلة نحاول الاتصال به، لكنني تمكنت من الوصول إليه أخيرًا، واطمأننت عليه  وحمدت الله كثيرًا لأنه بخير" 

"قرار النزوح إلى الجنوب غاية في الصعوبة، أولاً بالنظر للظروف التي يعيشها زوجي بلا مأوى، وثانيًا بالنظر لابني فايز الذي أصيب بشلل نصفي جرّاء سوء التغذية حيث كان وزنه 130 كيلو فأصبح 65 كيلو وأصبح يحتاج إلى جلسات علاج طبيعي وكانت تلك الجلسات باهظة الثمن دبرنا مصاريفها بغاية الصعوبة، كما أنني لا أستطيع المشي لمسافات طويلة، ناهيك عن الطريق الذي يدّعي الاحتلال بأنه آمن ويقوم فيه بإطلاق الرصاص على النازحين أو يعتقلهم، أو يسرق مقتنياتهم، ويصادر طعامهم وحاجياتهم".

"إضافة لذلك، مما زاد المشقة أنّ المكان الذي أوينا إليه لم يكن مريحًا فالنازحين والنازحات فيه كثر مما اضطررنا للرجوع إلى منزلنا المتضرر بنسبة كبيرة بعد معرفتنا بأن جيش الاحتلال  انسحب من منطقة (النصر) في غزة، لكن ليس لنا مكان آخر نلجأ إليه، برغم عدم وجود أي شخص في الحي وعدم توفر المياه والخدمات الأساسية حيث أن أبنائي يقومون بتعبئة (قالون) غالون المياه وحمله من مكان بعيد، كذلك برغم المجاعة وقلة الغذاء وعدم وجود ما يسند الفرد ويقويه على هذه الأيام قررنا الصبر على ذلك يقينا منا بأنها أيام ستزول".

"حقيقة أنا تعبت من النزوح المتكرر وحتى هذه اللحظة لا نعرف هل سننزح مرة أخرى أم لا؟ لا يوجد مكان آمن وأنا لم أعد أستطيع حمل كل هذا الثقل لوحدي، كل هذا الوقت الطويل عانيت من أسبوع ضاغط بل شهر بأكمله بل سنة وأكثر، مسؤوليات لا تنتهي، وواجبات لا ترحم.

 خانتها دموعها فوجدت بركانًا قد انفجر على خديها وكأنها لم تبكِ منذ قديم الأزل، فالألم لم يعد يحتمل كتمانه، وتمنت دوما لو أن زوجها معها لتقاسمه هذا الألم والحمل سويًا.