Please ensure Javascript is enabled for purposes of website accessibility
ar

A Soldiers' Selfie

calendar_monthDate: 30/11/2024

1-png

 

راوية (46 عامًا)، أم لأربعة أبناء، وابنة، رافقتها الآلام منذ اللحظة الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هدم جيش الاحتلال الإسرائيلي بيتها في معسكر جباليا شمالي القطاع، وعانت ويلات المجاعة، ونزحت مراتٍ عدة تحت تهديد القصف والسلاح.


سُجلت هذه الشهادة ضمن لقاءٍ أجرته إحدى صحفيات "مركز شؤون المرأة" الفلسطيني مع راوية (اسم مستعار) في غزة بتاريخ ٢٢/١٠/٢٠٢٤ لصالح "وحدة رصد قضايا المرأة في المنطقة العربية" بواسطة "الشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي".

.................


تبدأ راوية: "في السابع من أكتوبر، ومع اندلاع الحرب على قطاع غزة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي جباليا منطقة قتال خطيرة عبر القاء منشورات من الطائرات، ثم بدأ القصف بأحزمة نارية شديدة، وقام بإلقاء قذائف عشوائية مما اضطرنا إلى ترك منازلنا في عجالة، حاملين معنا حاجاتنا الأساسية فقط.


"لجأنا إلى منزل أحد الأقارب في مشروع بيت لاهيا شمالاً، وبقينا عندهم ما يقارب الثلاثة أسابيع، أصابنا جميعاً بالحزن والأسف ،وهو أن الاحتلال هدم بيتنا الدافئ الذي كان المأوى لي ولأبنائي وزوجاتهم. بكيتُ شوقًا وحسرة على ذكرياتي فيه. كان منزلنا مفعاً بالحياة والمرح ولعب الأطفال. كلُ ركنٍ فيه عزيزٌ علي. راودتني الهواجس والشكوك حول المستقبل، بتُ أسألُ نفسي ما مصيري اليوم؟ أين سأذهب بعد ذلك؟ أيقنتُ حينها بأنني سأعيش حياة من نزوح إلى آخر دون ملجأ مناسب لنا جميعًا.


"تفاجئنا يوم الأربعاء 15/12/2023 ونحن في منزل أقاربنا باقتراب آليات الاحتلال من المنطقة المجاورة لنا، كانت ليلة عصيبة شديدة الرعب، جلستُ أفكر بما يمكنني فعله، فعندي الكثير من الأطفال والنساء. بعد التفكير في خياراتنا، قررنا أن نلجأ إلى مكانٍ آخر. وعند الصباح جمعنا أغراضنا وحاولنا الهرب. لم نستطع الخروج من المنزل إلا بصعوبةٍ كبيرة. كانت القذائف تمر من فوق رؤوسنا وطائرات (الكواد كابتر) الُمسيرة عن بُعد تحلق في السماء وتلقي الرصاص على كل من يفكر بعبور الشوارع".


نزحت راوية مشيًا على الأقدام مع عائلتها وأقاربها، المكونين من ٧٥ فرداً، من نساء ورجال وأطفال وطفلات، وبالرغم من مشقة الطريق لم يستطيعوا التوقف من شدة رعبهم لأخذ استراحةٍ، حتى وصلوا إلى مستودعٍ صغير لجأوا فيه. كانت المساحة ضيقة بالنسبة لعددهم والنوم بمنتهى الصعوبة، ولم يجدوا طعاماً يقتاتونه، ومع كل هذا لم يكن هناك خيارٌ آخر.


تتابع راوية: "مكثنا في المكان قرابة خمسة شهور، وفي يوم الأحد 12/5/2024 حاصرت طائرات (الكواد كابتر) المكان من جميع الاتجاهات، وعِشنا كابوسًا استمر لمدة 21 يومًا، لم نستطع خلالها الخروج من المكان، ولا حتى النوم. كنا نرى الهلع والخوف في عيون الأطفال، ولم نعلم كيف نهدئهم.


"عندما انسحب الجيش من المكان، تفقدنا أنفسنا ومن كان موجوداً في المكان، كان هناك الكثير من الإصابات بفعل الرصاص الذي أطلقته الطائرات. فكرنا في النزوح إلى مكانٍ آخر ولكن أين نذهب؟ فاعتزمنا البقاء في مكاننا، ومكثنا في المستودع مدةً أخرى بعد أن قمنا بتنظيفه. حاولنا التأقلم مع هذه الحياة، كنا نطهي الطعام على حطبٍ بالكاد نوفره من هنا وهناك، ونغسل الملابس يدويا بقليلٍ من الماء لشحه، حتى الاستحمام كان عويصاً لعدم وجود الخصوصية بسبب كثرة العدد.


"عاد بعض الأقارب إلى منازلهم وأصلحوا في ديارهم ما دُمِر وأمكَنَ إصلاحُه، وبقي منا من تهدمت بيوتهم بالكامل.

 

"بقيتُ هناك ما يقارب السنة. تمنيت أن يكون لي منزلاً كبعض النساء الأخريات، وددتُ أن أمد ساقيّ على سريرٍ وليس على فرشةٍ مهترئة، وأن أستحم في حمام نظيف بمياه نظيفة، وأن أُشعل الغاز بدل من نار الحطب ودخانها الكثيف وسخامها المتعب، الذي أصابني بالتهاباتٍ صدرية عديدة" .


في يوم الأحد 20/10/2024 عاد جيش الاحتلال لمحاصرة المكان، لكن هذه المرة لم يكتفي بطائرات (الكواد كابتر) فقط، بل استخدم كافة الوسائل المتاحة من آليات وطائرات حربية وجرافات وفرق عسكرية. كان القصف عنيفاً من حول راوية، حيث ضرب الاحتلال مدرسة تؤوي عائلاتٍ نازحة، عاشت راوية لحظاتٍ عسيرة من هول ما يحصل، تَمَلكها فيها الخوف والقلق، كان الجميع يصرخ ويبكي، فجلستْ على الأرض تحتضن أحفادها ذارفةً دموعها،  لا تدري ما العمل. قامت بمناشدة مؤسساتي الصليب والهلال الأحمر لإخراجهم جميعاً، لكن لم يستطع أحداً فعل ذلك.


تسطرد راوية: "قام بعض الشبان منا بهدم جدار خلف المستودع، حتى نتمكن من الخروج عن طريقه، حملنا ما استطعنا من ملابس وطعام وأغراض أخرى وهربنا من المكان، لكن الطائرات استطاعت كشفنا، وأطلقت القنابل علينا، مما أدى إلى تفرقنا، كلٌ في جهة. بقينا نبحث عن بعضنا البعض لساعاتٍ طويلة حتى حل المساء، كان لون السماء أحمر جراء كثافة القصف. أدرَكَنَا الإرهاق فلم نعد نستطيع المشي أو التحرك بسبب المسافة التي قطعناها مشياً، ومن هول ما شَهِدنا ورأينا.


"وجدنا منزلاً قريباً فلجأنا إليه، لكن في الصباح، استيقظنا فزعاً على صوت طائرة (الكواد كابتر) وهي تطلب منا إخلاء المكان فورًا، فهرِعنا خائفين، وخرجنا من المنزل، لم نعرف بأي اتجاه نذهب، ولا أي أرض ستحتضننا.


"في بيت لاهيا شمالاً، وعلى طريق الشيخ زايد وجدنا أمامنا دبابات الاحتلال. كان الرعب هو سيد الموقف. وبدأ الأطفال بالبكاء من شدة خوفهم عندما شاهدوا ذلك المشهد، كنت ضائعة بين تهدئة الأطفال والاستماع إلى أوامر جيش الاحتلال الإسرائيلي.


"أوقفنا الجنود وأحاطوا بنا، وأمروا أن تصطف النساء تذهب في طابور والرجال في طابور آخر، وقاموا بتفتيشنا، ثم أنزلونا إلى حفرة كبيرة وعميقة محاطة بكثبان رملية - كانوا قد جهزوها قبل مجيئنا- وشتمونا، وهددونا بإطلاق النار علينا إن تحركنا. كانوا يقولون: "لا عودة لكم للشمال مرة أخرى" في محاولةٍ لاستفزازنا، وبعدها قاموا بالتقاط صور (السيلفي) ونحن في الحفرة خلفهم.


"بدأت جندية بنزع الحجاب عنا بحجة التأكد من أننا نساء، بينما سلّط جنديٌ مدفعية الدبابة علينا وجلس يضحك ويقول: "هل خفتم؟ سأقتلكم جميعًا". بقينا على هذا الحال ساعاتٍ طويلة من الذل والقهر، وبكينا حتى جفت دموعنا، رأيناهم وهم يضربون رجالنا أمامنا قبل أن يقوموا باعتقالهم.


"أمرونا بأن نتجمع كل عشرة نساءٍ بدورهن، لتأتي جندية تفتشنا وتضربنا، ثم قالوا لنا: "ارحلوا عبر طريق شارع صلاح الدين". رُحنا نمشي في طريقٍ لا نعرفه، كانت آلامنا مجرد وقت للدعابة والضحك بالنسبة لهم. قاموا بحركاتٍ لإخافتنا وأطفالنا، كتحريك وإيقاف الدبابة بشكل مفاجئ، ونثر الرمل علينا والسخرية منا.


تكمل راوية "بقي الأطفال يبكون طوال الطريق المتعبة والمسيرة الشاقة. تَعِبنا حتى وصلنا إلى خيمة في غرب غزة. اليوم لا نعرف أين نذهب خاصة وأننا لا نعلم أين هم ابنائي. وماذا نفعل؟ المصير غير معروف والحياة بكاملها أصبحت مجهولة".

 

.................

 

تم تفريغ وصياغة الشهادة من قِبل إحدى صحفيات "مركز شؤون المرأة" الفلسطيني، حُرِرت المادة من قِبل رهام قنوت رفاعي مع الحفاظ على المعلومات والتواريخ وجوهر الشهادة كما هو. تنقيح ومراجعة فراس المغربي.