مصاب القلب لا يشفى
سُجلت هذه الشهادة ضمن لقاءٍ أجرته إحدى صحفيات "مركز شؤون المرأة" الفلسطيني مع فداء (اسم مستعار) في غزة بين سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠٢٤ لصالح «وحدة رصد قضايا المرأة في المنطقة العربية» بواسطة «الشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي».
رغم جراحها الغائرة التي أصابت فخذها اليمنى إثر قصف وحشي شنّه الاحتلال الإسرائيلي على منزل مجاور لمنزلها، ورغم الألم الذي يجعل حركتها أمراً شاقاً والسير ضرباً من المعاناة، ورغم الفقد الذي هز كيانها باستشهاد زوجها في ذات الحادثة، إلا أن عُلا، ذات الـ26 ربيعاً، من سكان مخيم البريج وسط قطاع غزة، وقفت شامخة كجبل لا يهتز، متماسكة أمام الجميع، تزين وجهها بابتسامة تعاند كل أحزانها. عُلا، التي باتت الآن نازحة في مخيم المغازي، تجسد بصمودها قصة تحدٍ لا تعرف الانكسار.
رفضت علا مرارًا وتكرارًا النزوح، وفضّلت أن تبقى مع زوجها لمساندته في هذه المحنة، رغم أن جميع أخواتها تجمعن في بيت العائلة.
"لم أعتد أن أترك زوجي، ولقد فضّلت أن أبقى معه وأسانده في هذه المحنة، ولا أتركه. فقد تزوجته منذ خمس سنوات، ونحن معًا في السراء والضراء ولم نفترق أبدًا، فكيف لي أن أتركه وسط هذه الظروف الصعبة؟".
حتى جاء يوم ٢٥/١٢/٢٠٢٣، إذ أعلن جيش الاحتلال عن اجتياح بري لمخيم البريج، فنزحت قسرًا إلى منزل عائلتها في المغازي، بينما لجأ زوجها إلى منزل أخته في قرية الزوايدة.
"أثناء ذلك، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه الضارية على مخيم البريج، وأُطلقت الصواريخ من الطائرات الحربية بشكل جنوني، والقذائف من المدفعيات بطريقة عشوائية، دون أدنى رحمة أو شفقة. قُصفت البيوت والمباني السكنية، وسقط العديد من الضحايا الأبرياء دون ذنب".
ولكن ذلك لم يستمر طويلًا، حيث طال القصف والدمار العنيف مخيم المغازي، فاضُطرت إلى مرافقة أهلها في رحلة نزوح جديدة إلى مدينة رفح جنوبًا، وتحديدًا إلى حي تل السلطان يوم ٢٧/١٢/٢٠٢٤، على أمل أن تجد الأمن والاستقرار والهدوء النفسي هناك.
تقول علا: "بعد أكثر من أسبوع، التحق بي زوجي إلى نفس المكان، فنحن لم نعتد على الفراق والبعد. اجتمعنا مجددًا، ثم بعد ذلك عدنا إلى منزلنا في مخيم البريج بتاريخ ٥/٢/٢٠٢٤، معتقدين أنه سيكون آمنًا ولن يصيبنا أي مكروه؛ ولكن حدث شيءٌ آخر لم أتوقعه".
"بعد أن صلينا المغرب في يوم الأربعاء ٢٨/٢/٢٠٢٤، جلسنا معًا نقرأ القرآن لنستمد منه الهدوء والسكينة والطمأنينة، ولم نكن ندري ما الذي ينتظرنا ويصيبنا ويغير مجرى حياتنا. حدث شيءٌ آخر لم يكن في الحسبان، فبعد دقائق معدودة، وبكل أسف، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل أحد الجيران، فتطايرت الشظايا هنا وهناك، وأصابت إحداها رأس زوجي، فاستشهد على الفور عن عمر يناهز (٣٠ عامًا). كما أنني لم أسلم من جبروتهم وتعنتهم، حيث أصابتني الشظايا في الفخذ، فقطعت عصب الرجل اليمنى، وأُصبت بإصابات طفيفة أخرى في يدي وقدمي".
"نقلتني الطواقم المختصة إلى مستشفى الأقصى في دير البلح لتلقي العلاج. كنت أشعر بألم شديد والخوف يعتريني، كانت ليلة مرعبة رأيت فيها الموت بعيني. وبعد إجراء الكشف اللازم والصور والأشعة، تبين أن هناك إصابة بليغة ومشكلة في عصب الفخذ الأيمن، وتحتاج إلى المزيد من العلاج والاهتمام حتى أتمكن من الحركة والعودة لممارسة حياتي بشكل طبيعي".
باتت علا اليوم تواجه معاناة كبيرة بعد إصابتها التي قلبت حياتها رأسًا على عقب. أصبحت عاجزة عن الحركة، تعتمد على الآخرين في كل تفاصيل حياتها اليومية، حتى في أبسط الأمور مثل قضاء حاجتها. وكأن معاناتها لم تكن كافية، تعرضت قدمها لكسر شديد بعد مرور ثمانية أشهر على الإصابة، مما زاد من ألمها وأفقدها القدرة على السير.
تضيف علا: "انتفخت قدمي واحمرّت بشكل واضح، وزادت آلامي. فتوجهت إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. سألني الطبيب، وهو يحمل الجنسية الجزائرية وقد جاء مع وفد طبي له خمسة شهور في المنطقة الوسطى لتقديم العلاج لمصابي الحرب: لماذا لم تُجرِ أي عملية قبل اليوم؟ فأخبرته بأن الظروف لم تسمح مع أحداث الحرب وانشغالي باستشهاد والدي وعدد من أفراد عائلتي، بالإضافة إلى قلة العلاجات والخدمات الطبية المقدمة. وبعد الكشف عليها، تفاجأ من إصابتي وأخبرني أنه لأول مرة في حياته يرى حالة بهذا الشكل، إذ نادرًا ما يبقى العصب حيًا بعد الإصابة بثمانية أشهر. فأعاد لي الأمل بعودتي للحركة وممارسة حياتي اليومية، لكنني أحتاج إلى المزيد من الأشعة والصور الطبية، ومزيدًا من الوقت".
"لقد شجعني الطبيب وأعطاني الثقة والقوة، وهو يخبرني بأنه قادر على إجراء عملية لتثبيت العصب والرجل والمفاصل بـ"بلاتين"، شريطة ألا تحدث لي أي مضاعفات بعد ذلك، كأن تفقد الرجل الإحساس. وفعلاً، أجرى العملية الجراحية في ١٢/١٠/٢٠٢٤، وكانت نسبة نجاحها ما بين ٣٠-٥٠%. وأكد لي الطبيب أن النتيجة ستظهر إذا تحسنت بعد عشرة شهور من إجراء العملية".
رفضت علا مرارًا وتكرارًا النزوح، وفضّلت البقاء إلى جانب زوجها لمساندته في محنته، رغم أن جميع أخواتها لجأن إلى بيت العائلة.
"لم أعتد أن أترك زوجي. فضّلت البقاء معه لأسانده في هذه المحنة، فلا يمكنني التخلي عنه. لقد تزوجته منذ خمس سنوات، وواجهنا معًا السراء والضراء دون أن نفترق أبدًا. كيف لي أن أتركه في ظل هذه الظروف الصعبة؟"
لكن في يوم ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣، أعلن جيش الاحتلال عن اجتياح بري لمخيم البريج، ما أجبرها على النزوح قسرًا إلى منزل عائلتها في المغازي، بينما لجأ زوجها إلى منزل شقيقته في قرية الزوايدة.
"خلال تلك الأحداث، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربًا ضارية على مخيم البريج، حيث أمطرت الطائرات الحربية المخيم بالصواريخ بشكل جنوني، وأطلقت المدفعيات قذائفها عشوائيًا دون أدنى رحمة. قصفت البيوت والمباني السكنية، وسقط العديد من الضحايا الأبرياء بلا ذنب."
لم يدم ذلك طويلًا، إذ طال القصف والدمار العنيف مخيم المغازي أيضًا، ما اضطرها إلى مرافقة أهلها في رحلة نزوح جديدة إلى مدينة رفح جنوبًا، وتحديدًا إلى حي تل السلطان في ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤، على أمل أن تجد الأمن والاستقرار هناك.
"بعد أكثر من أسبوع، التحق بي زوجي إلى نفس المكان. لم نكن نعتاد على الفراق. اجتمعنا مجددًا، وعدنا إلى منزلنا في مخيم البريج بتاريخ ٥ فبراير ٢٠٢٤، معتقدين أن الأوضاع ستكون آمنة، لكن ما حدث لاحقًا كان غير متوقع."
"في مساء يوم الأربعاء ٢٨ فبراير/شباط ٢٠٢٤، وبعد أن صلينا المغرب، جلسنا نقرأ القرآن لعلنا نجد في تلاوته السكينة والطمأنينة. لم ندرك حينها ما الذي ينتظرنا. بعد دقائق معدودة، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بكل وحشية منزل أحد الجيران، فتطايرت الشظايا في كل اتجاه. أصابت إحدى الشظايا رأس زوجي، فاستشهد على الفور عن عمر يناهز ٣٠ عامًا. أما أنا، فلم أسلم من هذا العدوان، حيث أصابتني شظايا في الفخذ، ما أدى إلى قطع عصب الرجل اليمنى، بالإضافة إلى إصابات طفيفة أخرى في يدي وقدمي."
"نُقلت بواسطة الطواقم الطبية إلى مستشفى الأقصى في دير البلح لتلقي العلاج. كنت أعاني من ألم شديد والخوف يسيطر عليّ. بعد إجراء الكشف اللازم والأشعة، تبين وجود إصابة بليغة في عصب الفخذ الأيمن، تتطلب المزيد من العناية والعلاج حتى أتمكن من الحركة والعودة إلى حياتي الطبيعية."
اليوم، باتت علا تعاني من مشاكل كبيرة إثر إصابتها، فهي لا تستطيع الحركة وتحتاج إلى من يساعدها في كل شؤون حياتها، حتى أبسطها كقضاء الحاجة. بعد ثمانية أشهر من الإصابة، تعرضت قدمها لكسر شديد زاد معاناتها ولم تعد قادرة على السير عليها.
"انتفخت قدمي واحمرّت بشكل واضح، وزادت آلامي. توجّهت إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. هناك قابلت طبيبًا جزائري الجنسية جاء مع وفد طبي لتقديم العلاج لمصابي الحرب. سألني الطبيب: لماذا لم تُجرِ أي عملية قبل اليوم؟ فأخبرته أن الظروف لم تسمح بسبب الحرب، وانشغالي باستشهاد والدي وعدد من أفراد عائلتي، إلى جانب نقص العلاجات والخدمات الطبية. بعد الكشف على حالتي، تفاجأ الطبيب وأخبرني أنه نادرًا ما يرى العصب يبقى حيًا بعد الإصابة لثمانية أشهر. هذا أعاد لي الأمل في استعادة الحركة، لكنني كنت بحاجة إلى المزيد من الأشعة والصور الطبية، بالإضافة إلى الوقت."
تختتم علا شهادتها وتقول: "شجعني الطبيب وأعطاني الثقة، وأكد أنه يستطيع إجراء عملية لتثبيت العصب والرجل باستخدام بلاتين، بشرط ألا تحدث مضاعفات تفقدني الإحساس بالرجل. أجريت العملية الجراحية في ١٢ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٤، وكانت نسبة نجاحها تتراوح بين ٣٠-٥٠%. أخبرني الطبيب أن التحسن سيبدأ بالظهور بعد مرور عشرة أشهر من العملية."
اليوم، تنتظر علا بفارغ الصبر نتائج العملية على أمل أن تعود للحركة من جديد، رغم كل ما مرت به من صعوبات وآلام.
تم تفريغ وصياغة مسودة المادة من قِبل إحدى صحفيات "مركز شؤون المرأة" الفلسطيني، وحُرِرَ النص ونُقِح من قِبل ولاء عواد مع الحفاظ على المعلومات والتواريخ وجوهر الشهادة كما هو.