Please ensure Javascript is enabled for purposes of website accessibility
ar

كفاح فدوى

calendar_monthDate: 19/05/2025

سُجلت هذه الشهادة ضمن لقاءٍ أجرته إحدى صحفيات "مركز شؤون المرأة" الفلسطيني مع فداء (اسم مستعار) في غزة بين سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠٢٤ لصالح «وحدة رصد قضايا المرأة في المنطقة العربية» بواسطة «الشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي».

بلا شفقة ولا تردد، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي زوجها ووالدها وأخويها وأختها، ودمر منزلها. فدوى (37 عامًا)، من سكان مخيم البريج شرق وسط قطاع غزة، ونازحة حاليًا على شاطئ بحر مخيم النصيرات غرب القطاع، هي أم لخمسة أبناء: عبد الرحمن (20 عامًا)، محمد (18 عامًا)، عبد الله (17 عامًا)، عبد النور (12 عامًا)، وأصغرهم عبد العال (6 أعوام)، وابنتها الوحيدة سارة (11 عامًا).


تقول فدوى بحسرة: "كنت أعيش حياةً هادئة ومستقرة في بيتي البسيط الذي اعتبرته جنتي مع زوجي وأبنائي. كنت أنعم بالراحة والسكينة، إلى أن جاءت هذه الحرب الإسرائيلية التي قلبت موازين حياتي وأفسدت سعادتي وأفقدتني الأحبة واحدًا تلو الآخر، وأجبرتني على النزوح أكثر من مرة".


نزحت فدوى لأول مرة في اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، إذ كانت تعيش في منطقةٍ زراعية نائية وخطيرة، وخافت على أسرتها من قذائف وصواريخ الاحتلال الإسرائيلي. توجهت مع ابنتها وأبنائها إلى منزل عائلتها شمال غرب المغازي، وبقيت هناك ما يقارب الشهر، قبل أن يقتل الاحتلال زوجها يوم 3/11/2023 في قصفٍ للمنزل المجاور.


بعيون حزينة، تضيف: "لا أحب أن أتذكر تلك اللحظات العصيبة عندما تلقيت خبر استشهاد زوجي، يوم الجمعة بتاريخ 3/11/2023، في قصف إسرائيلي مجنون للمنزل المجاور لبيتنا. شعرت بالصدمة، ولم أدرك حينها ما الذي حدث. لم أتمالك نفسي وكاد أن يُغمى عليّ من فرط الحزن والقهر. فقدت السند والحبيب، وأصبحت الآن الأم والأب لخمسة أبناء وطفلة. كيف ستكون الحياة بدونه؟"


"عدتُ إلى منزلي بعد بدء الهدنة الإنسانية في 24/11/2023، لكنني كنت أبقى فيه خلال النهار وأعود ليلًا إلى بيت أهلي للنوم، خوفًا من أي تصعيد إسرائيلي أو اشتباكات أو قصف. وفي يوم 15/12/2023، نزحتُ مرة أخرى إلى مخيم البريج، حيث أقمت في منزل أخ زوجي، نتيجة شدة القصف وأصوات الانفجارات المتتالية والقذائف المدفعية في الحي الذي يسكن فيه أهلي بالمغازي. ومع ذلك، لم يرحم الاحتلال الإسرائيلي ضعفنا وعجزنا، ولم يتركنا في حالنا؛ ففي قطاع غزة، لا يوجد مكان آمن، ويطاردنا الموت في كل زاوية بالصواريخ القاتلة والمدفعيات والرصاص الطائش."


"في 25/12/2023، بدأ الاجتياح البري لمخيم البريج، فاضُطررنا للنزوح للمرة الثالثة مع عائلة أخ زوجي الثاني إلى منطقة البحر في مخيم النصيرات. وبعد قصف جيش الاحتلال أحد الأبراج هناك، أخذت أبنائي ونزحت إلى مدينة رفح في حي تل السلطان جنوبًا يوم 1/1/2024. بقينا في رفح حتى 15/2/2024، ثم عدتُ مجددًا إلى البريج لمنزل سلفي الأكبر، لكننا لم نبقَ هناك طويلًا؛ إذ تلقى سكان المخيم اتصالات من جيش الاحتلال تطالب بالإخلاء وتهدد الناس بالخروج، معتبرين المنطقة منطقة قتال خطرة."


خرجت فدوى يوم 28/7/2024 وهي تركض، حاملةً ما تبقى من ملابس وطعام وحاجيات، لتعود مجددًا إلى منزل أخ زوجها على شاطئ مخيم النصيرات، وحملت معها آلامًا لا تنتهي وخوفًا لم يفارق كاهلها منذ بدء الحرب.


تضيف فدوى: "لن أنسى ذلك اليوم الذي أُجبرنا فيه على التهجير القسري. كانت الناس تهرع في كل مكان، وعيون الأطفال مليئة بالرعب. النساء خرجن بملابس البيت، حفاة الأقدام، يبحثن عن مكان ينجون فيه من الموت. أما الرجال والشيوخ، فقد كانوا عاجزين عن فعل أي شيء سوى الدعاء والاستعانة بالله."


"في 21 رمضان 2024، عند الساعة 11:30 ليلًا، وبينما كانت عائلتي تستعد لإحياء ليلة القدر، قصف جيش الاحتلال منزلنا بإلقاء برميل متفجر يوم 31/3/2024. استشهد والدي، الذي كان يبلغ من العمر 66 عامًا، وأخواي عبد الوهاب (27 عامًا) وعمران (12 عامًا)، وأختي دانة (16 عامًا). كما أُصيب عدد من أفراد عائلتي، وهم محمود (29 عامًا) وعمر (24 عامًا)، أما أختي ميرا (13 عامًا)، فانتشلتها فرق الإنقاذ من تحت الركام بعد إصابتها في الحوض، وقد نجت بأعجوبة."


"انتشلت الطواقم المختصة جثة والدي وهو يحتضن أخي عمران بشدة، وكأنه كان يحميه من الموت، ولكن رحلا معًا. ما زالت أختي ميرا تعاني من حالة نفسية سيئة جدًا؛ إذ كانت تجلس بجوار أختي دانة يوم استشهادها، ورأتها وهي جثة هامدة أثناء عمل الدفاع المدني لإخراجها من تحت الأنقاض. كانت الاثنتان قريبتين جدًا من بعضهما."


"كان خبر استشهادهم أصعب ما مررت به في حياتي وأكثر ألمًا. بفقدانهم، فقدت الحب والحنان والسند الذي كنت أتعكز عليه بعد استشهاد زوجي. والدي كان إنسانًا لا مثيل له في الحنان، كان يفهمني من نظرتي، ويعلم ما بداخلي. كان عونًا لي في محنتي الأولى عندما فقدت زوجي. جرح فقدانهم كبير، ولن يعوضني أي شيء عنهم. الله يرحمهم."


ظل رحيل العائلة أصعب ما مرت به فدوى وأكثره ألمًا، فقد فقدت بذلك الكثير من الحب والدفء الذي كان يملأ حياتها. كما أنها فقدت بيتها الذي دمره الاحتلال بالكامل يوم 14/1/2024.


"لم يتوقف تعنّت الاحتلال وجبروته، فقد تلقيت خبر تدمير منزلي أثناء نزحي في مدينة رفح. قام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المنطقة بأكملها، وتفجير المنزل بلغم أرضي يوم الأحد، الموافق 14/1/2024."


تروي فدوى قصتّها وتقول: "بقصف الاحتلال منزلي، فقدت كل الذكريات الجميلة مع زوجي وصورنا وأثاث المنزل وملابسنا وأغراضنا التي اخترتها بعناية وحب. بفقدان زوجي، فقدت القلب الطيب الحنون، وبفقدان والدي وإخوتي، فقدت السند والظهر الذي كنت أستند إليه. فاجعتي كبيرة جدًا، ولا شيء يمكن أن يعوضني عنهم."


تختتم فدوى شهادتها وتقول: "أعيل اليوم أبنائي الستة الذين يحتاجون الكثير من الاهتمام والرعاية، كما أنني أسعى دائما لتوفير حاجاتهم الضرورية ومستلزماتهم سواء كانت مادية أو معنوية".

 

تم تفريغ وصياغة مسودة المادة من قِبل إحدى صحفيات "مركز شؤون المرأة" الفلسطيني، وحُرِرَ النص ونُقِح من قِبل ولاء عواد مع الحفاظ على المعلومات والتواريخ وجوهر الشهادة كما هو.